التقيت صديقتي منذ أيام على موعد للذهاب إلى السينما، حيث يُعرض فيلم النجم الاسترالي هيو جاكمان الجديد الذي يحمل عنوان “ديدبول آند وولفرين” Deadpool & Wolverine، في عودة لشخصية البطل الخارق الشهيرة. وعندما كنت اشاهد الفيلم، لفتتني ضحكة صديقتي على ما بدر مني، إذ صفقت بين الحضور بسبب ظهور جاكمان، ودون أن أشعر اكتشفت أنه نجمي المفضل، بل إن شخصية وولفرين تجسّد البطل الخارق المفضل لديّ أيضاً، وهناك الكثير مثلي في هذا الشأن.
“ستجسّد شخصية وولفرين حتى تبلغ 90 عاماً”؛ هكذا وصف ديدبول في الفيلم الأحدث ضمن السلسلة الشهيرة، عودة جاكمان في دوره المألوف والمميز. ومع هذا التعليق الساخر، علت الضحكات والتطلعات، فوولفرين ضحّى بنفسه في الفيلم الذي يحمل اسمه “لوجان” Logan عام 2017، لذلك جاءت عودة حميدة إلى الجماهير المتلهفة لهذه الشخصية المتمردة التي تجمع بين القسوة والحنان في الوقت ذاته. لكن ماذا عن وولفرين نفسه أو النجم هيو جاكمان؟
هيو جاكمان: البائس أم أعظم رجل في عالم الاستعراض؟
عندما تسمع اسم هيو جاكمان، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك سلسلة رجال إكس أو X-Men المكونة من 14 فيلماً، مثّل فيها جاكمان في نحو 10 أفلام منها ثلاثية وولفرين، وبدأت هذه السلسلة منذ بداية الألفية الجديدة، ففي عام 2000، أطلق فيلم رجال إكس بجزئه الأول، وأعقبته شرارة النجاح التي استمرت حتى العام الجاري 2024.
وعند البحث عن أفضل أفلام جاكمان، لا بد من وجود ثلاثة أفلام على الأقل من هذه السلسلة، بل عندما استعنت بذكاء “كوبايلوت” الاصطناعي لمعرفة المزيد حول تفضيلات المشاهدين، وجدت أن فيلم “لوجان” Logan الذي حقق إيرادات تفوق 226 مليون دولار، يحتل صدارة أفضل أفلام جاكمان (وهو الفيلم الذي قُتلت فيه شخصية وولفرين). لكن، وعلى الرغم من حفاوة استقبال وولفرين بعد نحو 5 أعوام، يبدو أن مسيرة جاكمان بحاجة إلى المزيد من التدقيق، لأنه، وبكل بساطة، فنان من العيّار الثقيل فقد طريقه نحو قائمة الممثلين المفضلين لدى الجماهير في العالم.
نعم، الغريب عندما يُطرح سؤال من هو نجمك المفضل في هوليوود؟ ستكون الإجابة غالباً أحد النجوم المخضرمين أمثال آل باتشينو، وروبرت دي نيرو، وأنتوني هوبكنز، وتوم هانكس، وهذا منطقي بالطبع، ويمكن إضافة نجوم الزمن الجميل أيضاً؛ لكن يبدو أننا نفقد اسم هيو جاكمان وسط عملية البحث عن نجوم العصر الحالي خاصة عندما يتصدر جوني ديب (لا خلاف على الكاريزما التي يتمتع بها واختياراته الغريبة للأفلام)، قائمة أفضل الممثلين في هوليوود وفقاً لموقع IMDP، أو عندما يلتزم ليوناردو دي كابريو بوجوده في كل القوائم العالمية المعنية بتفضيلات الجماهير والنقّاد حول نجوم هوليوود.
ووفقاً للائحة موقع Ranker، فالأمر كان أكثر غرابة، إذ اختار كريس هيمسوورث الشهير بشخصية البطل الخارق Thor، ليكون في الصدارة.
أين جاكمان؟
على الرغم من شهرة جاكمان بشخصية وولفرين، إلا أنه ليس هاري بوتر الذي ترك عصاه السحرية بين جدران هوجوارتس، بل إنه رجل الاستعراض الأعظم في العالم، الذي تمكّن من تقديم الدراما، والغناء، والإثارة، والتشويق في العديد من أعماله، بل إنه تفوّق حتى يقنعك بالكوميديا أيضاً، التي قد يكون فشل في تقديمها خلال بداية مسيرته.
ضمن أعماله المميزة، قدّم هيو جاكمان الدراما الغنائية في The Greatest Showman عام 2017 (وهو نفس عام إصدار فيلم لوجان)، وذلك بعد نجاح “البؤساء” Les Misérables في عام 2012.
لكن شغف جاكمان بالدراما الغنائية جاء من ولهه بالمسرح، إذ وقع في حب المسرح أثناء رحلاته لزيارة والدته في إنجلترا، لذلك قرر الالتحاق بمدرسة التمثيل وخطط لدفع الرسوم الدراسية بميراثه من جدته، ليبدأ هذا الطريق ساخراً من رأي والده الذي كان يرى فيه صبياً رقيقاً. وحسب وصف جاكمان لصحيفة ذا جارديان فإنه اقتنع برأي والده لأنه كان شاباً هزيلاً.
تمكّن هذا الشاب الهزيل، من جذب الأنظار إليه عند تجسيد شخصية وولفرين في عام 2000، إذ وصل البعض إلى تشبيهه بالنجم الكبير كلينت إيستوود، وقالت عنه صحيفة لوس أنجليس تايمز حينذاك “جاكمان هو نجم هذا الفيلم ويجلب مستوى متقدماً من التمثيل، بوجهه الغاضب المغطى جزئياً بسوالف ضخمة”، بينما قال عنه الناقد الأميركي الراحل، روجر إيبرت “لا أستطيع إلا أن أتساءل كيف يمكن لرجل تتحول مفاصله إلى سكاكين أن يكون البطل الخارق الأعلى مرتبة بين الأبطال”.
وبين نجاح وولفرين في رجال إكس، ونجاح وولفرين في ثلاثيته، قدّم جاكمان أيضاً في عام 2006، فيلم The Prestige، إذ أجمع النقّاد أن الفيلم الذي أخرجه كريستوفر نولان يعتبر حافلاً بالتحولات والمنعطفات، وهو عبارة عن قطعة فنية مبهرة لا تتوقف أبداً عن تحدي الجمهور. وفي العام ذاته، قدّم فيلم The Fountain عن الميتافيزيقا (جوهر الأشياء)، والأنماط العالمية، والرمزية الكتابية، والحب اللامحدود عبر ألف عام، وعلى الرغم من تأكيد النقّاد أن الفيلم غني بصرياً، إلا أنه افتقد التركيز المطلوب لإخراجه بأفضل صورة ممكنة.
في عام 2008، قدّم جاكمان فيلم Australia أمام النجمة نيكول كيدمان، وأوضح النقّاد حينذاك أن الفيلم نجح في تقديم قصة حب مسلية بين شخصين مثيرين للاهتمام يتمتعان بدرجة كبيرة من عدم المثالية، لكنه ليس الفيلم الأول الذي يقدّم فيه نجمنا عنصري الرومانسية بطلة عجيبة، فقد سبقه فيلم Kate & Leopold، في عام 2001، أمام النجمة ميج رايان (والتي كانت مفضلة لدى الجميع في الأفلام الرومانسية أمام توم هانكس).
هذه المرة، قدّم جاكمان دور الدوق الذي سافر بالزمان إلى المستقبل. وهنا، لم يكتف جاكمان بلعب دور رومانسي فقط، بل كان دوراً يعيدنا إلى ما نريده في عصر تغلبه التكنولوجيا والسرعة مع بداية هذه الألفية، وكأن الهاتف المحمول كان أصعب تعقيدات العصر، الذي لم يتطلع إلى فيديوهات التيك توك الحالية مثلاً! ماذا كان ليفعل الدوق ليوبولد؟!
ويظل فيلم Someone like you الذي قدّمه عام 2001، واحداً من الأفلام الخفيفة التي يمكنك مشاهدتها في عطلة نهاية الأسبوع، لكن لمشاهدة الأبطال الذين لا تعرف كيف وافقوا على هذه الحبكة الدرامية الضعيفة، وهذا ما أكده أيضاً النقّاد في هذا الوقت.
أضف إلى ذلك بعض التجارب الاستثنائية في عالم الأفلام المتحركة، إذ ترك جاكمان بصمته الساخرة في عام 2006، ضمن فيلمي Happy Feet، وFlushed Away الذين يتمتعان بدرجة كبيرة من الإثارة والكوميديا والدراما تلبي ذائقة الكبار قبل الصغار. كما نجح أيضاً في تقديم Rise of the Guardians في عام 2012 بدور أرنب عيد الفصح، وحصل على تقدير النقّاد في فيلم Missing Link عام 2019.
فهل هذه الأفلام تثبّت قوة جاكمان؟ ربما. لكن هناك دليل آخر على قوة هذا النجم، فقد كان محرك النجاح بتعليقه الصوتي الممتاز كما وصفه موقع Rotten Tomatoes على فيلم Bad Education في عام 2019، لكنه سخر في الوقت ذاته من إمكانية تأدية أي ممثل آخر لشخصية وولفرين.
نعم عدنا إلى وولفرين، فقد قيل أن جاكمان سيرتبط إلى الأبد بالمتحول الذي يمكنه الشفاء الذاتي، بينما يواجه الأشرار بمخالب الأدمانتيوم.
العودة إلى وولفرين
في مزيج منطقي، عاد وولفرين إلى الشاشة عام 2024 أمام ديدبول، وهنا، تجد أداء جاكمان جنباً إلى جنب أداء رايان رينولدز الذي يؤدي دور ويد ويلسون، أو ديدبول كبطل غريب يغدو مرتزقاً فظاً يمحو أعداءه في لحظات.
عندما اشترت ديزني شركة Fox قبل بضع سنوات (التي كانت تنتج سلسلة رجال إكس)، انضم ديدبول، إلى عملاق الامتياز المعروف باسم Marvel Cinematic Universe.
يواجه الفيلم الجديد مأزقاً مثيراً للاهتمام، إذ يحاول السخرية من أصله، والآن يجب أن يتناسب الفيلم مع المعايير السردية لأبطال مارفل. وكأنه يحاول توسيع العلامة التجارية متنكراً في هيئة ساخرة.
ووفقاً للناقد السينمائي في صحيفة ذا نيويوركر وNPR، جاستن تشانغ، فإن الشركة طالبت النقّاد بعدم مناقشة الحبكة أو المشاهد القصيرة العديدة في الفيلم، لكن يبدو أن فيلم Deadpool & Wolverine أصبح نسخة خاصة لتكريم أفلام X-Men من Fox التي أطلقتها أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فهل أخطا جاكمان في العودة إلى ثوب وولفرين؟
حول هذا الأمر، قال رئيس استوديوهات مارفل، كيفن فيج، لمجلة Empire إنه حذّر جاكمان من لعب دور وولفرين مرة أخرى، وأضاف “لقد كانت لديه أعظم نهاية في التاريخ مع فيلم Logan”.
وإذا ازداد الجدال حول هذا الفيلم الجديد، فإنه يعتبر محسوماً عندما يتعلق الأمر بأفضل شخصية ضمن رجال إكس، (لنلتمس العذر من البروفيسور إكزافيير)، فالأفضل بالطبع وولفرين، بالطبع هيو جاكمان، نجم يجدر البحث في تاريخه الفني، من محارب مصاصي الدماء إلى الأب الذي يبحث عن ابنته المفقودة، مسيرة تستحق النظر ثانية. وبين إخفاق ونجاح، يظل وولفرين واحداً في تاريخ السينما العالمية، وهنا نلتمس العذر من هيو جاكمان من أجل تفضيلنا وولفرين من جديد.
اقرأ أيضاً:
الاحتراق الوظيفي.. عندما تستسلم مهاراتك لغبار اليأس
ملتقى الفيديو آرت الدولي يبدأ استقبال المشاركات من جميع الدول في دورته السادسة
238.5 مليون دولار إجمالي إيرادات فيلم “Alien:Romulus” عالمياً